صورة الملف الشخصي لـ م.طارق الموصللي

توقعت أن ينهض فيحتضنني، انتظرت أي بادرة تعاطف. إذ لم أزر طبيبًا نفسيًا عاديًا، فهو: رئيس رابطة الأطباء النفسيين، والرئيس الفخري للجمعية السورية للطب النفسي.

أما أنا: فناجٍ من محاولة انـ. ــتـ . ـــحـــ . ــــار!

لنبدأ: توقيت الجلسة 5 / 8 / 2023 ~ الساعة 12:30 [= تأخر الموعد نصف ساعة!]

بدأت الجلسة بأسلوب مسرحي (أفتقدته في ذاتي صراحةً)، وسألته: ماذا سيحدث لو ابتلعت الكبسولات المتبقية من الأدوية التي وصفتها ليّ آخر مرة؟
لا أعلم إن كان الُرعب في عينيه حقيقيًا، أم شُبّه ليّ. لكنه أجاب-بعد تلعثم خفيف:

لن يحدث شيء، فالمواد المصنوعة منها تلك العقاقير غير قاتلة؛ إذ يتوقّع من مريض الاكتئاب فعل كهذا (محاولة الانتحار عبر تناولها)
حسنًا، لا يبدو الكلام دقيقًا. فعدا عن تلعثمه، ونظرة الرعب (بل كانت حقيقية).. يستدعي أحد الدوائين الموصوفين تسجيل الصيدلاني بيانات آخذه وسحب الوصفة/الروشِتة [لئلّا يصرفها في صيدلية أخرى]. وذاك يؤكد خطره.

على العموم، إن كانت فيرونيكا، ملهمتي لطريقة الانسحاب من الحياة، قد دخلت مصحًا نفسيًا. فأنا لم أُعاني أي أعراض جانبية، ومن الواضح -طبعًا- أنني لم أمتّ!
ذاك ما عزز داخلي شعور أنني لا أُقهر "Invincible"

حاول الطبيب "مناقشتي" في أسباب زهدي بالحياة، وأقول مناقشتي مستنكرًا لأن المفترض بالطبيب النفسي -خلال الجلسات الأولى- الاستماع والفهم، لا النقاش!

وأعدت هنا طرح أسبابي:

لم يستطع الطبيب منع نفسه من التعليق: لكنها انتهت، أليس كذلك؟

نعم يا سيدي! انتهت منذ عام ونصف تقريبًا، لكن لم يأتي اضطراري لاحتمالها وحدي بلا ثمن.. ثمّ رويدك.. ! هي لم تنتهي بعد تمامًا، إذ سيزال خطر (الانتكاسة) قائمًا للسنوات الخمس القادمة. أي طبيبٍ أنت؟!

دار الاعتراض أعلاه داخل عقلي، أما هو فسمعني أقول: شعرت أنني بلا قيمة، فوالدي لم يشغله سوى مبالغ العلاج التي اُضطر لدفعها، أما والدتي فتسأل عن صحتي بفتور، وإخوتي مشغولون بحيواتهم ولا يسألون عنيّ إلا لمامًا.

رأيت نظرة استهجان في عينيه، ثم عبّر عنه بقوله: أنت لا تتوقع أن ينذر الآخرون أنفسهم لأجلك.

لكنني لم أطالب بذلك! إنما أردت فقط أن يكونوا إلى جانبي عزوة وقوة وسندًا. أليسوا عائلتي؟

  • شعور بـ"عُقدة المراهق"؛ أنني لا زلت في الثامن عشرة من عمري. فالمسؤوليات تكاثرت عليّ، وأنا أضعف من مواجهة هذا العالم.

هنا، بدأ باستعراض معلوماته الطبية (كما فعل نظيره): دعنا نتجنّب استخدام كلمة عُقدة، فهي تنطبق على حالة أكبر من حالتك. لنسمّه (اضطرابًا).

حسنًا، وماذا بعد التسمية؟ ألن تقدّم حلًا..؟

  • عندما عزمت على الانسحاب، وضعت احتمالين: إن فشلت، فسألفت انتباه عائلتي. وإن نجحت، فعلى الدنيا السلام.

إذًا، فأنت تبحث عن الاهتمام، بدليل أنك استهدفت (لفت اهتمام الآخرين لوجود خطبٍ ما) من خلال محاولتك.

ها هو يعاود مناقشتي، لم أعد أفهم شيئًا! لماذا لا يستطيع رؤية الأمر من منظوري أنا؟ جميعنا نسعى خلف اهتمام الآخرين، الفرق فقط أننا نختلف في (نوعية) هؤلاء الآخرين؛ البعض لا يهتم بالنوعية وإنما بالكميّة، فتراه يصوّر "يومياته" و "مقالبه". خطر ليّ فعل ذات الشيء، لكن ذلك لا يتناسب مع صورتي الذاتية.

انتهت الجلسة (مدّتها نصف ساعة فحسب!) بأن وصف ليّ أدوية بجرعاتٍ أقل [أخبرتكم أنه قلقٌ حيال تكراري فعلتي]، وذلك بعد رفضي الخضوع للعلاج بالصدمة الكهربائية (ECT). لأنه -ببساطة- سيكلّفني ثروة!
ورغم إصراره على ضرورتها، لوجود الأفكار الانتحارية تحديدًا. لكنني تمسّكت بموقفي.

وهكذا، خرجت من عيادته "مكسور الخاطر"، إذ ترسخت داخلي قناعة بأنني (طفل مدلل). في ذات الوقت، التمست له عذرًا: لعله -بدوره- في مزاجٍ سيء، ولم يدفعه للمجيء سوى كثرة المواعيد. ومع ذلك، قررت أن تكون زيارتي الأخيرة.

بعد ذلك، تملكني غضبٌ عارم، وإن ارتجفت يديّ في المحاولة السابقة، فهذه المرة سأثبت للجميع أنني قادر على فعلها.

لحُسن حظي، أجّلت التنفيذ حتى اليوم التالي، حيث استيقظت لأجد الرسالة التالية من صاحبة الأحاديث الدافئة (أمل محمد)::

أتخيّل فحسب كم استغرقتها كتابة الرسالة على هاتفها [لا أعلم إن كنت وحدي أستصعب الكتابة على لوحة مفاتيح الهاتف، أم أنه شعور يغمر أبناء جيل التسعينات كافّة!]

المدهش ما حدث بعدها ببضعة ساعات، تصلني رسالة من هيا (ولا أظنها مصادفة، رغم أنني أشكّ بكونها قرأت عن قراري؛ وإلا لأتت على ذكره كما فعلت آ. أمل)

كلتاهما تحدثت عن تأثير كلماتي في استمراريتهما.

لديّ عشرات الرسائل المُشابهة، والممتلئة بالمحبة والاهتمام.

أحدهم، قرر دعمي ماديًا، فسمّى نفسه :: صديق المدونة، وبعث ليّ هذه الرسالة:

"اكتب وانقذني"

يا لها من كلمات!

لم يتخلى مجتمع التدوين عنيّ في أحلك الظروف، وإن كنت أشعر أنني لا زلت عالقًا في سنّ الـ 18، فذلك لأنني اكتشفت التدوين آنذاك. أتعلمون متى آخر مرة تحدثّت فيها بشغف؟ في مقابلتي مع الزميلة الفاضلة دليلة رقاي والتي كان التدوين محورها الأساسي!

إذًا، ربما كنت أبحث عن الاهتمام في المكان الخطأ، وثمّة جملة علقت في ذهني من حديثه:

أنت في الثالثة والثلاثين، صحيح؟ يُفترض أنك تجاوزت مرحلة طلب الاهتمام .. إلى .. منحه.

لم تُرُق ليّ الجملة، لكن ماذا لو تجاوزت ذاتي قليلًا، وتأملتها بعينٍ مُحايدة؟

فعمليًا، دوري بالفعل تغيّر.. أو بالأحرى تطوّر. كنت ابنًا وطالبًا جامعيًا، والآن أنا أبّ ومدوّن؛ بمعنى انتقلت من آخذ إلى مانح.

🤭 معلومة طريفة: فصيلة دمي O سالب بالفعل!

ولأن الرسائل تصل في موعدها المحدد دائمًا، صادفت الفيديو التالي صباح يوم الجمعة [أي بعد الجلسة بأسبوع تقريبًا]

تحمّلت المقدمات الطويلة، و "انزياح الكاميرا" المتكرر لدى د. منيرة الحرابي! إذ شعرت أنه يضمّ رسالة موجّهة إليّ.
وكنت محقًا، إذ بعد دقائق.. تحدثت الدكتورة منيرة عن نوعين للمعاناة:

  • المعاناة الضرورية
  • المعاناة غير الضرورية

من أمثلة المعاناة غير الضرورية: غرقك في الحزن على اللبن المسكوب.

أما المعاناة الضرورية، فهي المعاناة التي قد تحمل رسالتك في الحياة. وذكرت الطبيبة أن معاناة (فيكتور فرانكل) كانت ضرورية ليخرج للعالم بكتاب [الانسان يبحث عن المعنى].

استوقفتني تلك الجملة طويلًا:

ماذا لو استطعت صياغة تجاربي و[معاناتي] على شكل كتاب؟ وهكذا ظهرت فكرة رواية جديدة بعنوان:

  1. انـ . ــتـ . ـــحـــ . ــــار مؤجل 

لا أعلم متى اعتدت ذلك، لكنني أتعامل مع صعوبات الحياة بسخرية..

وحتى لو لم تُعجبني كل فيديوهات أحمد مسّاد، لكن ذاك لا يمنع مشاركتي الفيديو الذي أثّر فيّ كثيرًا

لا لتقاطع تفاصيل كثيرة بين حياتينا فحسب، وإنما لإدراكي أنه -مثلي تمامًا- يستمدّ السلوان من جمهوره أكثر من أي شخصٍ آخر.

على الطرف الآخر، لم أرى فشلي في الموت.. فشلًا. وإنما منحني منظورًا مختلفًا للحياة ذاتها. وأن للموت حين يأتي سياسته الخاصة.

ختامًا، أود توجيه 🤍 شكر خاص للدكتور محمود عاطف 🤍 لمشاركة تجربته بشفافية تستحق التحية.

عرض 19 إجابة أخرى على هذا السؤال