حضّر كأس شاي أولًا.🤨
تبدأ قصة تعلمي اللغة الإنجليزية قبل مولدي حتى!👶 وتحديدًا كفكرة ومضت في ذهن والدي -حفظه الله- أن على أبناءه إتقان اللغة الإنجليزية. فحرص على تسجيلنا في معاهد تعليم اللغة الإنجليزية منذ نعومة أظفارنا.
وحين أقول "حرص" فأنا أقصد ذلك حرفيًا؛ حيث لا أذكر إجازة صيف -طيلة سنوات التعليم الأساسي- دون أن يكون الانتساب إلى معهد اللغة أحد الأنشطة "الإجبارية".😓
لا أنكر أنني أحببت الجو العام لتلك المعاهد، وأحببت شعور (التفوق) الذي منحني إياه سؤال بعض أقربائي عن معنى كلمة إنجليزية معينة😎، ومع ذلك.. ورغم أنني درست عدّة سلاسل تعليم اللغة الإنجليزية، مع أساتذة ذوي مستويات وأساليب مختلفة، كنت أُنهي الدورة التعليمية بشعور: أنت 0% في الإنجليزية.
شعرت بوجود شيء ناقص!🤔
"كيف يتعلم رؤوساء البلاد اللغات الأجنبية؟"
لطالما تردد هذا السؤال في عقلي، وضحكت لإحتمالية أن نرى أحدهم يجلس خلف طاولة الحكم قبل الظهيرة، وخلف طاولة الدراسة في أحد المعاهد بعدها.😝
ثم جائني الردّ.
كنت في الـ 16 من عُمري، حين طرق باب منزلنا ممثلا مؤسسة Linguaphone البريطانية.
جلست مدهوشًا -لمدة ساعة ونصف- أستمع إلى حديثهم حول أسلوب التعليم الذي تتبعه مؤسستهم: حقيبة تعليمية مؤلفة من 3 كتب و15 شريطًا سمعيًا "كاسيت-Cassette" يتوجب على الطالب أن يدرسها -جميعًا- بمفرده، ليقدّم امتحانًا نهائيًا. وبذا، يكون قد أتقن اللغة!
تحمست في البداية، ودرست ثُلث المنهج وأنا أفكر: إذًا، هكذا يُتقن الرؤوساء اللغات الأجنبية.
مضت 3 أشهر قبل أن تخمد جذوة حماستي.
وللمرة الثانية، يتردد ذاك الصوت في رأسي: أنت 0% في الإنجليزية!
يا قوم! أنا واثق بأن ثمّة أمرٌ ناقص في المعادلة. 😩
قريبي السائح
طارق، اقترب فسلّم على ابن عمي "…"
مددت يديّ لأصافح ابن عمّ والدي، العائد لتوّه من أرض الأحلام (U.S.A)، وبصحبته "…" ابنه الذي في مثل سنّي.
وفي حين غرق (الكبار) في أحاديثهم المملة، جلست اتأمل هذا "الكائن الغريب" الذي هبط من السماء.
طرحت اسئلة تقليدية (هل الحياة في أمريكا جميلة كما في الأفلام؟) وأخرى غريبة (هل لديك صديقة/Girlfriend؟). لكن لم أهتم بالإجابات قدر اهتمامي بعالمي الداخلي الذي تبعثر إثر سؤال طرحته على نفسي: كيف يُعقل أن يُتقن شاب في مثل سنّه اللغة الإنجليزية بهذه البساطة؟
عُدنا إلى منزلنا، فكان وجه والدي يتميز من الغيظ، حيث عرض عليه قريبه أن يستقدمنا إلى أمريكا، لكنه اشترط أن نكون مُتقنين للغة الإنجليزية.
إذن، لنعد إلى Linguaphone. ومجددًا، حماسة البدايات.. يعقبها انطفاء.
لنتخلى عن الدراسة.. لنبدأ بصنع ثروة!
بدأت السنة الأخيرة -والأهم- من الدراسة الثانوية، مرحلة تحديد المصير. وماذا نفعل نحن الطلاب عندما نشعر بضغطٍ كهذا؟ نمارس جميع أنواع النشاطات (فيما عدا الدراسة طبعًا😒)!
حدث ذلك عام 2007، في العصر الذهبي للمنتديات.
هناك، الجميع يتحدث عن الربح من الانترنت. وحيثما تواجد المال.. تواجد الاحتيال.
في البداية، خضت مع الخائضين، ثم تنّبهت إلى اتباع (المحتالين) أسلوبًا معينًا عند بناء مواقعهم. يعود الفضل في ذلك إلى عشرات المراجعات الأجنبية لتلك المواقع.
لكنك لم تكن تُتقن اللغة الإنجليزية، فكيف قرأت وفهمت تلك المراجعات؟
صحيح، إنما كنت مؤمنًا -رغم صغر سنيّ آنذاك- بالمثل الإنجليزي (Where there's a will there's a way - اذا توفرت الإرادة، توفرت الوسيلة). وهكذا، استعنت ببرامج الترجمة وتطبيقاتها في محاولة فهم تلك المقالات (كانت ترجمة غوغل أسوء مما هي عليه الآن!🥴).
شيئًا فشيئًا، بدأت حصيلتي اللغوية بالتوسع، وسهُل عليّ فهم السياقات.
هنا انتبهت إلى الفرق الشاسع بين المحتوى الأجنبي ونظيره العربي. ففي حين كانت المواضيع في المنتديات متشابهة، أمتلك الكتّاب الأجانب أساليبهم الخاصة في تناول الشركات بالنقد والتحليل.
حينئذٍ قررت أن أنقل هذه المعارف إلى اللغة العربية، فلم يعد يكفي أن أفهم 80% من النص عبر السياق، وإنما وجب عليّ فهم كل كلمة (خاصةً الكلمات المتخصصة).
في سبيل تحقيق ذلك، بحثت عن قواميس موثوقة، وكان الخيار البديهي قاموس Oxford و قاموس Cambridge اللذان يقدمان أمثلة مختلفة للكلمة الواحدة يتوضح عبرها المعنى باختلاف موقعها من الجملة.
ولا زلت أذكر جيدًا مدى الإشادة والتقدير اللذين حظت بهما مواضيعي في المنتديات [حدّ تعييني مشرفًا لقسم (شروحات المواقع الربحية) في منتدى يضمّ أكثر من 4 ملايين عضو!]
ثم تعرّفت إلى المدونات.
تنهار ذاكرتي كلما حاولت تذكر تفاصيل تعرّفي إلى المدونات. وعلى عكس سكان نصف الكرة الأرضية، لم تكن بدايتي مع خدمة بلوغر وإنما مع b2evolution.
نحن في عام 2008 (تقريبًا)، حتى ووردبريس لم يكن يدعم اللغة العربية، فما بالك بسكريبت تدوين بسيط مثل b2evolution!
إذن، حان وقت استخدام قدرتي الخارقة الجديدة!🦾
كان حجم السكريبت لا يتجاوز الـ 1 ميغابايت، لذا لم أواجه مشكلة في تحميله مستخدمًا اتصال Dail-UP الشهير.. البطيء!
ثم بدأت رحلة الترجمة، ومجددًا المزيد من المصطلحات التقنية الجديدة، وما يرافق ذلك من رحلات إلى القواميس التخصصية، مُضافًا إليها المقالات -الشحيحة- حول السكريبت [كانت غالبيتها موجودة في الموقع الرسمي، وبلغة موجهة للمتخصصين].
وهكذا، عندما ظهرت النسخة العربية من ووردبريس، كنت جاهزًا لإشباع فضول "الوافدين الُجدد".
لك تكن خبرتي البرمجية كافية لانضم إلى فريق المترجمين العرب للوردبريس، لذا اكتفيت بترجمة حلول المشاكل التي يُصادفها المبتدئون (وما أكثرها!)،
يعود الفضل في ذلك لقدرة البحث التي نميّتها أيام المنتديات (ومواضيع الربح من الانترنت)، علاوة على خبرتي "العملية" في سكريبت b2evolution.
سياحة إجبارية
لا، لن أتحدث عن روايتي التي تحمل ذات العنوان، وإنما سأروِ القصة الحقيقية.
في عام 2013، فاق سوء الوضع المعيشي في البلاد قدرة أسرتي على الاحتمال، فقررنا اللجوء إلى مصر، والتي استقبلتنا -كسوريين- أروع الستقبال.
عزّ على والدي تسمية ما قُمنا به "لجوءًا" فدعاه "سياحة إجبارية"
في بلد (اللجوء/السياحة الإجبارية)، صُقلت شخصيتي إلى حدٍ مذهل، ووجدت عزائي -عند مرور غيوم اليأس- في مقالات تطوير الذات والتعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة وغيره من الأزمات التي تمرّ بها نسبة غير ضئيلة من المجتمع الغربي.
ومرة أخرى، آمنت أنني لست الوحيد الذي يُصادف موقفًا كهذا، فلجأت للترجمة.
لكن هذه المرة، كان الأمر مختلفًا: فلغة المقالات ليست تخصصية، ومستواي في اللغة الإنجليزية تحسّن للغاية، مما سهّل عليّ مهمة إضافة +100 مقال مترجم لمنصة زد (وغيرها) خلال عامٍ واحد!
عام 2020
بُعيد عيد ميلادي الثلاثين، قررنا العودة إلى سوريا.
أعلم أنه أكثر قرار جنوني أتخذته في حياتي🌌، ومع ذلك.. أنا أسعد إنسان على وجه الأرض بفضله!
المهم، وصلت أرض الوطن بشخصية مختلفة عن التي غادرت بها. ومن أهم الاختلافات فيها: رغبتي بكسر القوالب النمطية للمتعلمين.
تنبيه⚠️: وصلنا لأهم جزئية من القصة بأسرها.
بعد ضبط حياتي لتأخذ مجرى طبيعيًا (قدر الإمكان)، بتّ أبحث عن الفرص الجديدة، فكان من ضمنها: العودة إلى مقاعد الدراسة.
لما لا نقف هنا لهنيهة؟
دائمًا ما نطبّل ونصفّق لفكرة (التعلم عملية لا نهائية)، فنجد أنفسنا نقرأ -بحماسة منقطعة النظير- قصص أشخاص استكملوا مسيرة تعليمهم بعدما ظنّ الجميع أن القطار فاتهم ,وانتهى الأمر (كقصة المرأة التسعينية التي نجحت في الالتحاق بالجامعة). لكن.. هل يمتلك أحدما جرأة اتخاذها قدوة؟
الكلام أسهل من الفعل صدّقني.
بحثت عن معهد لتعليم المحادثة (المهارة الوحيدة التي تنقصني) حتى عثرت على B.A.I: المعهد الوحيد في دمشق الذي يُركزّ بالكليّة على مهارة المحادثة.
حجزت موعدًا لتحديد المستوى (Placment Test) وسار الأمر على ما يُرام.
اليوم الأول
تمرّ الايام سريعًا حتى نصل أول أيام الدوام.
دخلت القاعة لأجد نفسي أكبر الموجودين سنًا (بمن فيهم المدرّس نفسه!) وبعد تعريف كل شخص عن نفسه، لاحظت أن معظمهم في أوائل العشرينات، بعضهم لا زال طالبًا في الجامعة، والبعض الآخر تخرّج لتوّه.
"ما الذي أتى بيّ إلى هنا بحق خالق السماء؟!"
ما الذي دفعني كربّ أسرة يحمل جبلًا من المسؤوليات على عاتقيه وينعم بدخلٍ ممتاز، ولا يفكر في السفر أو استكمال دراسته خارجًا لخوض غمار هذه التجربة؟
فكرت في الانسحاب🤷🏻♂️، وأقنعت نفسي أن بمقدورها تعلّم اللغة الإنجليزية بمفردها.. من المنزل، ودون قطع كل تلك المسافة يوميًا (يبعد منزلي عن موقع المعهد مسافة ساعة ونصف بالسيارة!)
وفجأة، ومض قانون حياتي الـ #2 في عقلي: الآن.. أو مُطلقًا. بمعنى: إما أن استكمل ما خططت له.. والآن، أو سأجد نفسي مُضطرًا لمواجهة (كارثة التسويف) الرهيبة! 🥴
وهكذا.. تمسكت بقراري.
مضى شهر، تعرض خلاله لأسوء درجات الإحراج: بدءً من نسيان الكلمات التي أحفظها، وليس انتهاءً باختفاء صوتي فجأة كلما اُضطررت للإجابة على سؤال.
ألّح عليّ هاجس التخليّ مجددًا. خاصةً بعد أن أنهيت المستوى الأولى دون لمس فرق ملحوظًا في مهارة المحادثة لديّ.
[Apply the change]
كانت تلك أول جملة خطّتها (المُدرّسة الجديدة) على السبورة، والتي تعني: طبّق التغيير. والمقصود أن تُمارس ما تتعلمه ولا تكتفي بالمعرفة النظرية.
وهنا، طفقت أفكر: كيف يمكنني تطبيق ما تعلمته؟
هل يُجدي أسلوب التعلم الذاتي نفعًا؟
بدأت مع برامج مثل: Cake - Duolingo
المشكلة فقط أنها تعتمد أسلوب التعلم الذاتي. حسنًا، ربما يُجدي هذا الأسلوب نفعًا عند تعلم البرمجة أو الرسم أو تصميم الجرافيك.. أو أي نشاط فردي.
إنما المحادثة، فهي تجري عادةً بين شخصين، صحيح؟ لذا، أجزم أنه لا يمكن إتقانها بمفردك.
قلت: لما لا أبحث عن برامج تعتمد المحادثة؟ فكان أن وجدت (Hello English) لكن أغلب المتواجدين فيه ليسوا متحدثين أصليين.
انتهى بيّ المطاف إلى برنامج Gambly: يمنحك البرنامج 10 دقائق مجانية (تحصل على 5 إضافية كلما دعوت شخصًا لاستخدامه ~ كما فعلت لتويّ!)
ويضمّ نخبة من مُعلميّ اللغة الإنجليزية "المُرخصيّن" والمستعدين لإجراء أي محادثة سريعة بناءً على هدفك من التعلم.
بالحديث عن معهد B.A.I. إن كنت في دمشق، فأرجوك أخبرهم أنك جئت بناءً على توصية منيّ.
من باب ردّ الجميل، لا بحثًا عن تخفيض (هل تظنني سأبحث عن تخفيض في دورة تبلغ قيمتها أقل من 10$؟)
ختامًا
اكتشفت أن العنصر الذي كان ينقصني في البدايات: الغرض.. الهدف من التعلم.. غاية التعلم (سمّه ما شئت).
لا بدّ وأن عبارة (حدد هدفك من التعلم) طرقت مسامعك غير مرة. ولكن -ولأنني أراها عبارةً ضبابية- سردت أمامك محطات رحلة تعلّمي بالتفصيل، علّك تستشرد بها في طريقك.
اليوم، أُعدّ من أعلى المترجمين المستقلين أجرًا، ولم أكن لأصل هذه المرتبة دون مروري بكل تلك المحطات.
هل تصدّقني إن أخبرتك أن أحد العملاء الغاضبين الذين تشاجرت معهم، عاد ليطلب خدماتي؟
يومًا طيبًا.🏙 🌃